فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقابل ذلك بأن أمر المؤمنين بالإيمان والدعاء إليه إذ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102]وقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخيْرِ} الآية.
وصيغة {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} صيغة وجوب لأنها أصرح في الأمر من صيغة افعلوا لأنها أصلها.
فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير معلوم بينهم من قبل نزول هذه الآية، فالأمر لتشريع الوجوب، وإذا كان ذلك حاصلا بينهم من قبل كما يدل عليه قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110] فالأمر لتأكيد ما كانوا يفعلونه ووجوبه، وفيه زيادة الأمر بالدعوة إلى الخير وقد كان الوجوب مقررا من قبل بآيات أخرى مثل {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3]، أو بأوامر نبوية.
فالأمر لتأكيد الوجوب أيضا للدلالة على الدوام والثبات عليه، مثل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِالله} [النساء: 136].
والأمة الجماعة والطائفة كقوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38].
وأصل الأمة من كلام العرب الطائفة من الناس التي تؤم قصدا واحدا: من نسب أو موطن أو دين، أو مجموع ذلك، ويتعين ما يجمعها بالإضافة أو الوصف كقولهم: أمة العرب وأمة غسان وأمة النصارى.
والمخاطب بضمير منكم إن كان هم أصحاب رسول الله كما هو ظاهر الخطابات السابقة آنفا جاز أن تكون من بيانية وقدم البيان على المبين ويكون ما صدق الأمة نفس الصحابة، وهم أهل العصر الأول من المسلمين فيكون المعنى: ولتكونوا أمة يدعون إلى الخير فهذه الأمة أصحاب هذا الوصف قد أمروا بأن يكونوا من مجموعهم الأمة الموصوفة بأنهم يدعون إلى الخير، والمقصود تكوين هذا الوصف لأن الواجب عليهم هو التخلق بهذا الخلق فإذا تخلقوا به تكونت الأمة المطلوبة.
وهي أفضل الأمم.
وهي أهل المدينة الفاضلة المنشودة للحكماء من قبل، فجاءت الآية بهذا الأمر على هذا الأسلوب البليغ الموجز.
وفي هذا محسن التجريد: جردت من المخاطبين أمة أخرى للمبالغة في هذا الحكم كما يقال: لفلان من بنيه أنصار.
والمقصود: ولتكونوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر حتى تكونوا أمة هذه صفتها، وهذا هو الأظهر فيكون جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خوطبوا بأن يكونوا دعاة إلى الخير، ولا جرم فهو الذين تلقوا الشريعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، فهم أولى الناس بتبليغها.
وأعلم بمشاهدها وأحوالها، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة «ليبلغ الشاهد الغائب ألا هل بلغت» وإلى هذا المحمل مال الزجاج وغير واحد من المفسرين، كما قاله ابن عطية.
ويجوز أيضا، على اعتبار الضمير خطابا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أن تكون من للتبعيض، والمراد من الأمة الجماعة والفريق، أي: وليكن بعضكم فريقا يدعون إلى الخير فيكون الوجوب على جماعة من الصحابة فقد قال ابن عطية: قال الضحاك، والطبري: أمر المؤمنين أن تكون منهم جماعة بهذه الصفة.
فهم خاصة أصحاب الرسول وهم خاصة الرواة.
وأقول: على هذا يثبت حكم الوجوب على كل جيل بعدهم بطريق القياس لئلا يتعطل الهدى. اهـ.

.اللغة:

{أمة} طائفة وجماعة.
{البينات} الآيات الواضحات.
{المعروف} ما أمر به الشرع واستحسنه العقل السليم.
{المنكر} ما نهى عنه الشرع واستقبحه العقل السليم.
{الأدبار} جمع دبر وهو مؤخر كل شيء، يقال: ولاه دبره أي هرب من وجهه.
{ثقفوا} وجدوا وصودفوا.
{حبل من الله} الحبل معروف والمراد به هنا: العهد، وسمي حبلا لأنه سبب يحصل به الأمن وزوال الخوف.
{باءوا} رجعوا.
{المسكنة} الفقر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في قوله: {مّنكُمْ} قولان:
أحدهما: أن {مِنْ} هاهنا ليست للتبعيض لدليلين:
الأول: أن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل الأمة في قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} [آل عمران: 110].
والثاني: هو أنه لا مكلف إلا ويجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إما بيده، أو بلسانه، أو بقلبه، ويجب على كل أحد دفع الضرر عن النفس إذا ثبت هذا فنقول: معنى هذه الآية كونوا أمة دعاة إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، وأما كلمة {مِنْ} فهي هنا للتبيين لا للتبعيض كقوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30] ويقال أيضا: لفلان من أولاده جند وللأمير من غلمانه عسكر يريد بذلك جميع أولاده وغلمانه لا بعضهم، كذا هاهنا، ثم قالوا: إن ذلك وإن كان واجبًا على الكل إلا أنه متى قام به قوم سقط التكليف عن الباقين، ونظيره قوله تعالى: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] وقوله: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] فالأمر عام، ثم إذا قامت به طائفة وقعت الكفاية وزال التكليف عن الباقين.
والقول الثاني: أن {مِنْ} هاهنا للتبعيض، والقائلون بهذا القول اختلفوا أيضا على قولين:
أحدهما: أن فائدة كلمة {مِنْ} هي أن في القوم من لا يقدر على الدعوة ولا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل النساء والمرضى والعاجزين.
والثاني: أن هذا التكليف مختص بالعلماء ويدل عليه وجهان:
الأول: أن هذه الآية مشتملة على الأمر بثلاثة أشياء: الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومعلوم أن الدعوة إلى الخير مشروطة بالعلم بالخير وبالمعروف وبالمنكر، فإن الجاهل ربما عاد إلى الباطل وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر، وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع الغلظة، وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تماديًا، فثبت أن هذا التكليف متوجه على العلماء، ولا شك أنهم بعض الأمة، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُواْ في الدين} [التوبة: 122].
والثاني: أنا جمعنا على أن ذلك واجب على سبيل الكفاية بمعنى أنه متى قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا كان كذلك كان المعنى ليقم بذلك بعضكم، فكان في الحقيقة هذا إيجابًا على البعض لا على الكل، والله أعلم.
وفيه قول رابع: وهو قول الضحاك: إن المراد من هذه الآية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يتعلمون من الرسول عليه السلام ويعلمون الناس، والتأويل على هذا الوجه كونوا أمة مجتمعين على حفظ سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وتعلم الدين. اهـ.

.قال القرطبي:

ومِن في قوله: {مِنكم} للتبعيض، ومعناه أن الأمرين يجب أن يكونوا علماء وليس كل الناس علماء.
وقيل: لبيان الجنس، والمعنى لتكونوا كلكم كذلك.
قلت: القول الأوّل أصح؛ فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر فرض على الكفاية، وقد عيّنهم الله تعالى بقوله: {الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُواْ الصلاة} [الحج: 41] الآية.
وليس كل الناس مُكِّنُوا.
وقرأ ابن الزبير: {وَلْتَكُنَ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويَستَعينونَ الله على ما أصابهم}.
قال أبو بكر الأنباري: وهذه الزيادة تفسير من ابن الزبير، وكلام من كلامه غَلِط فيه بعض الناقلين فألحقه بألفاظ القرآن؛ يدلّ على صحة ما أصِفُ الحديثُ الذي حدّثنيه أبي حدّثنا حسن بن عرفة حدّثنا وكيع عن أبي عاصم عن أبي عون عن صبيح قال: سمعت عثمان بن عفّان يقرأ {ويأمرون بِالمعروفِ وَيَنْهَوْنَ عن المنكرِ ويستعينون الله على ما أصابهم} فما يشكّ عاقل في أن عثمأن لا يعتقد هذه الزيادة من القرآن؛ إذ لم يكتبها في مصحفه الذي هو إمام المسلمين، وإنما ذكرها واعظًا بها ومؤكِّدًا ما تقدمها من كلام رب العالمين جل وعلا. اهـ.

.قال الفخر:

هذه الآية اشتملت على التكليف بثلاثة أشياء، أولها: الدعوة إلى الخير ثم الأمر بالمعروف، ثم النهي عن المنكر، ولأجل العطف يجب كون هذه الثلاثة متغايرة، فنقول: أما الدعوة إلى الخير فأفضلها الدعوة إلى إثبات ذات الله وصفاته وتقديسه عن مشابهة الممكنات وإنما قلنا إن الدعوة إلى الخير تشتمل على ما ذكرنا لقوله تعالى: {ادع إلى سَبِيلِ رَبّكَ بالحكمة} [النحل: 125] وقوله تعالى: {قُلْ هذه سَبِيلِى ادعوا إلى الله على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعنى} [يوسف: 108].
إذا عرفت هذا فنقول: الدعوة إلى الخير جنس تحته نوعان:
أحدهما: الترغيب في فعل ما ينبغي وهو بالمعروف.
والثاني: الترغيب في ترك ما لا ينبغي وهو النهي عن المنكر فذكر الجنس أولًا ثم أتبعه بنوعية مبالغة في البيان، وأما شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمذكورة في كتب الكلام. اهـ.

.قال السمرقندي:

يقال: إن الأمراء، يجب عليهم الأمر والنهي باليد، والعلماء باللسان، والعوام بالقلب، وهنا كما قال عليه الصلاة والسلام: «إذا رأى أَحَدٌ مُنْكَرًا، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلك أَضْعَفُ الإيمان».
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: بحسب امرئ إذا رأى منكرًا، لا يستطيع النكير أن يعلم الله من قلبه أنه كاره.
وروي عن بعض الصحابة أنه قال: إن الرجل إذا رأى منكرًا، لا يستطيع النكير عليه، فليقل ثلاث مرات: اللهم إِنَّ هذا منكر، فإذا قال ذلك فقد فعل ما عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

إن الدعوة إلى الخير تتفاوت: فمنها ما هو بين يقوم به كل مسلم، ومنها ما يحتاج إلى علم فيقوم به أهله، وهذا هو المسمى بفرض الكفاية، يعني إذ قام به بعض الناس كفى عن قيام الباقين، وتتعين الطائفة التي تقوم بها بتوفر شروط القيام بمثل ذلك الفعل فيها، كالقوة على السلاح في الحرب، وكالسباحة في إنقاذ الغريق، والعلم بأمور الدين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك تعين العدد الذي يكفي للقيام بذلك الفعل مثل كون الجيش نصف عدد جيش العدو، ولما كان الأمر يستلزم متعلقا فلمأمور في فرض الكفاية الفريق الذين فيهم الشروط، ومجموع أهل البلد، أو القبيلة، لتنفيذ ذلك، فإذا قام به العدد الكافي ممن فيهم الشروط سقط التكليف عن الباقين، وإذا لم يقوموا به كان الإثم على البلد أو القبيلة، لسكوت جميعهم، ولتقاعس الصالحين للقيام بذلك، مع سكوتهم أيضا ثم إذا قام به البعض فإنما يثاب ذلك البعض خاصة.
ومعنى الدعاء إلى الخير الدعاء إلى الإسلام، وبث دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الخير اسم يجمع خصال الإسلام: ففي حديث حذيفة بن اليمان قلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر الحديث، ولذلك يكون عطف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه من عطف الشيء على مغايره، وهو أصل العطف.
وقيل: أريد بالخير ما يشمل جميع الخيرات، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون العطف من عطف الخاص على العام للاهتمام به.
وحذفت مفاعيل يدعون ويأمرون وينهون لقصد التعميم أي يدعون كل أحد كما في قوله تعالى: {وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس: 25].
والمعروف هو ما يعرف وهو مجاز في المقبول المرضي به، لأن الشيء إذا كان معروفا كان مألوفا مقبولا مرضيا به، وأريد به هنا ما يقبل عند أهل العقول، وفي الشرائع، وهو الحق والصلاح، لأن ذلك مقبول عند انتفاء العوارض.
والمنكر مجاز في المكروه، والكره لازم للإنكار لأن المنكر في أصل اللسان هو الجهل ومنه تسمية غير المألوف نكرة، وأريد به هنا الباطل والفساد، لأنهما من المكروه في الجبلة عند انتفاء العوارض.
والتعريف في الخير، والمعروف، والمنكر تعريف الاستغراق، فيفيد العموم في المعاملات بحسب ما ينتهي إليه العلم والمقدرة فيشبه الاستغراق العرفي.
ومن المفسرين من عين جعل من في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} للبيان، وتأول الكلام بتقدير تقديم البيان على المبين فيصير المعنى: ولتكن أمة هي انتم أي ولتكونوا أمة يدعون، محاولة للتسوية بين مضمون هذه الآية، ومضمون قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [آل عمران: 110] ومساواة معنيي الآيتين غير متعينة لجواز أن يكون المراد من خير أمة هاته الأمة، التي قامت بالأمر بالمعروف، على ماسنبينه هنالك.
والآية أوجبت أن تقوم طائفة من المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولاشك أن الأمر والنهي من أقسام القول والكلام، فالمكلف به هو بيان المعروف، والأمر به، وبيان المنكر، والنهي عنه، وأما امتثال المأمورين والمنهيين لذلك، فموكول إليهم أو إلى ولاة الأمور الذين يحملونهم على فعل ما أمروا به، وأما ما وقع في الحديث «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فأن لم يستطيع فبلسانه فأن لم يستطع فبقلبه» فذلك مرتبة التغيير، والتغيير يكون باليد، ويكون بالقلب أي تمني التغيير، وأما الأمر والنهي فلا يكونان بهما.
والمعروف والمنكر إن كانا ضروريين كان لكل مسلم أن يأمر وينهي فيهما، وان كانا نظريين، فأنما يقوم بالأمر والنهي فيهما أهل العلم.
وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط مبينة في الفقه والآداب الشرعية، ألا أني أنبه إلى شرط ساء فهم بعض الناس فيه وهو قول بعض الفقهاء: يشترط ألا يجر النهي إلى منكر أعظم.
وهذا شرط قد خرم مزية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأتخذه المسلمون ذريعة لترك هذا الواجب.
ولقد ساء فهمهم فيه إذ مراد مشترطه أن يتحقق الأمر أن أمره يجر إلى منكر أعظم لا أن يخاف أن يتوهم إذ الوجوب قطعي لا يعارضه إلا ظن أقوى.
ولما كان تعيين الكفاءة للقيام بهذا الفرض، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتوقفه على مراتب العلم بالمعروف والمنكر، ومراتب القدرة على التغيير، وإفهام الناس ذلك، رأى أئمة المسلمين تعيين ولاة للبحث عن المناكر وتعيين كيفية القيام بتغييرها، وسموا تلك الولاية بالحسبة، وقد أولى عمر بن الخطاب في هاته الولاية أم الشفاء، وأشهر من وليها في الدولة العباسية أبن عائشة، وكان رجلا صلبا في الحق، وتسمى هذه الولاية في المغرب ولاية السوق وقد ولياها في قرطبة الأمام محمد بن خالد بن مرتنيل القرطبي المعروف بالأشج من أصحاب ابن القاسم توفي سنة 220.
وكانت في الدولة الحفصية ولاية الحسبة من الولايات النبيهة وربما ضمت إلى القضاء كما كان الحال في تونس بعد الدولة الحفصية. اهـ.